الخميس 25 أبريل 2024 / 16-شوال-1445

إدارة الحياة.. وحياة في الإدارة



 

 

في كتابه «حياة في الإدارة» يقول الوزير والأكاديمي والمفكر السعودي الدكتور غازي القصيبي -يرحمه الله- إن علاقة الإنسان المعاصر مع الإدارة تبدأ مع الطفولة، ويرد ذلك للمقولة الشائعة أن الإنسان لا يستطيع أن يبدأ حياته إلا بورقة تصدر عن جهة إدارية هي شهادة الميلاد كما أنه ينهي حياته رسميا أيضا بورقة أخرى هي شهادة الوفاة. ويضيف أنه رغم هذه العلاقة فإن المولود لا يحس بوجود شهادة الميلاد كما أن المتوفى لا يحس بوجود شهادة الوفاة، ويرى أن الطفل يبدأ بلمس تأثير الإدارة على حياته بمجرد أن يدرك أنه كائن يعتمد وجوده على قرارات يتخذها الآخرون فهم الذين يستجيبون لبكائه ولطلبه عندما يطلب الطعام، ومنهم تكون ردات الفعل على أخطائه عندما يخطئ وغير ذلك من القرارات التي تشكل البيئة النفسية التي تؤثر في حياته وفي حالته النفسية أيضا، ورغم ذلك فإن القصيبي يرى أن التعامل الحقيقي للطفل مع الإدارة يبدأ في المدرسة لأنه يلتقي فيها مع هذه الإدارة وجها لوجه، ويرى محاسنها ومساوئها، بينما تظل القرارات قبل ذلك قرارات عائلية لا يستطيع أن يتبين طبيعتها، فالمدرسة مؤسسة بيروقراطية تتصرف وفق القوانين التي تحكم سلوك سائر المؤسسات البيروقراطية أمثالها، وبعد أن يسرد ما كان يقوم به المعلمون من مهام يرونها جزءا من واجباتهم سواء كانت ذات صلة مباشرة في عملية التعلم أو أنها من أساليب بناء الشخصية وتطويرها، كما يذكر أنماط السلوك المختلفة التي يتبعها مديرو المدارس والمعلمون تبعا لما يرونه يحقق مصلحة طلبتهم ومن ذلك أنواع العقوبات التي تتم بقصد تعديل سلوكهم وزجرهم عن ارتكاب المخالفات والأخطاء ثم يروي كيف سمع مصطلح «التهاون الإداري» لأول مرة حينما أوكلت المدرسة إلى مدرس شاب قليل الخبرة أو عديمها تدريس ثلاث مواد دراسية، وكيف أنه شارك زملاءه الطلاب سرورهم بهذا المعلم الذي لا يشرح الدروس ولا يطالب بواجبات، ويقضي الحصة في الحديث عن السيارات وسرعتها وأثمانها، وكانت النتيجة أن رسب أكثر من نصف طلاب الصف في مادة أو أكثر من المواد الدراسية حينها تنبهت إدارة المدرسة ولكن بعد فوات الأوان وبعد خسارة الطلبة الراسبون سنة من أعمارهم، وكان من بين هؤلاء القصيبي الذي رسب في مادة واحدة لكنه وجد نفسه بعد ذلك وقد انتقل مع الناجحين إلى السنة النهائية، وكان ذلك سببا أن يسمع لأول مرة مصطلح «الواسطة» حيث سمع زملاءه يقولون إن أباه استخدم نفوذه مع إدارة المدرسة فنجح لكنه عرف فيما بعد أن والده لم يعلم برسوبه ولم يتدخل أبدا ولكن إدارة المدرسة رأت أن طالبا متفوقا طيلة سنوات الدراسة لا يجوز أن يرسب بسبب بضع درجات تنقصه في مادة واحدة.. في هذه السطور القليلة من كتاب القصيبي الكثير من الدروس التي أشعر أنني ما زلت وزملائي العاملون في الإدارة التربوية بل وفي غيرها من المواقع الإدارية بحاجة إليها رغم أنها تتحدث عن مرحلة مضى عليها حوالي سبعة عقود لأن بعض الممارسات الإدارية ما زالت ترتكب نفس الأخطاء، وتصل إلى نفس النتائج مع أن أغلب الذين يتولون المواقع الإدارية العليا يحملون مؤهلات علمية رفيعة ومن جامعات مرموقة محليا وعالميا، مما يؤكد ما ذهب إليه القصيبي بداية وهو أن الإدارة والقيادة تجيء مع الإنسان استعدادا، ويتم تنميتها بالتعليم والممارسة والخبرة والتجربة، وأنها لن تتحقق إذا غاب بعض هذه العناصر، وأعتقد أن تسمية مدير المدرسة «قائد المدرسة» وتسمية من يتحملون المسؤولية في الإدارات العليا «قادة تربويين» جاءت من هذه الفكرة.. نعم نحن بحاجة إلى قادة تربويين وليس إداريين ومديرين وعلى هؤلاء القادة أن يدركوا دائما أن القيادة تتطلب الكثير من المسؤولية والحكمة والاطلاع وهو ما نجده والحمد لله في معظم القيادات التربوية لدينا بل فيها جميعا على الإطلاق.

————————————–

بقلم أ. فهد سعدون الخالدي

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم