الجمعة 17 مايو 2024 / 09-ذو القعدة-1445

مدمرات شخصية الطفل



إذا أردت أن تكون متميزا في تدمير شخصية طفلك !!

اقرأ هذه الرسالة

 

مقدمة /

– رسالة إلى من أخذ على عاتقه تربية الأجيال … وصناعة الرجال ، وصياغة العقول، وصيانة السلوك، وتحقيق أهداف كل العلوم؛ حتى يكون ذلك الإنسان قادرًا على حسن المسيرة في هذه الحياة وفق أهدافه النبيلة وغاياته السامية. صالحا في نفسه وجسده وعلاقاته .

 

– أبعث لك رسالتي هذه … وإن كنت قد جعلت أمثلتي على الوالدين ( الأب والأم ) إلا أنها رسالة لكل ذكر وأنثى سواء كان ( معلما ، داعية ، إمام مسجد ، ….. ) فإليكم جميعا أقول ..

-قال صلى الله عليه وسلم: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” رواه البخاري ومسلم .

 

– وقال الإمام الغزالي – رحمه الله تعالى -: (الصبيُّ أمانةٌ عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرةٌ نفيسةٌ خاليةٌ عن كل نقشٍ وصورة، وهو قابلٌ لكل نقش، ومائلٌ إلى كل ما يُمالُ إليه، فإن عُوِّد الخيرَ نشأ عليه، وسَعِدَ في الدنيا والآخرة أبواه، وإن عُوِّد الشر وأًهْمِلَ إهمال البهائم، شَقِيَ وهَلَكَ،وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه. وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً، وإنما يكمل ويقوى بالغذاء، فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتربية، وتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم). إحياء علوم الدين( 3/72)

 

– تعتبر البيئة من أهم الأسباب التي تمهد للطفل سبيل الحياة الذي يسلكه، فإما سليماً صالحاً وإما معوجاً شاذاً.

– ولها أثرا واضحا في تكوين نفسيته . فإن كانت هذه التربية سليمة قويمة، فإن الطفل ينشأ ونفسه قوية، بعيدة كل البعد عن التعرض للإصابة بالمرض النفسي.

– مثل هذه البيئة تيسر مقومات النمو السوي، وتقلل من عوامل التأزم والاضطراب النفسيين.

 

– الطفل في حال صغره يكون قلبه كالعود الرطب, توجهه حيثما أردت , فإذا كبر سنه جف هذا العود وبقي على ماوجِهتهُ عليه .

– فالصغير يتأثر بأي كلام يَصدر إليه , سواء كلام عاطفي , أو كلام جارح , أو غير ذلك ..

– وتظهر أثار تصرفاته بحسب بيئته التي يعيش فيها .. فإذا رأيت الطفل هادئًا أو لديه بعض التصرفات الجميلة فالغالب أنه قد اكتسبها ممن حوله من أبيه وأمه وأخوته وأقاربه .

– وينشئ ناشئ الفتيان فينا . . . . على ما قد كان عوده ابوه

– وإن رأيت الطفل لديه بعض التصرفات الخاطئة والغريبة , فهذا أمر طبيعي فما حصل هذا إلا بسبب مايواجهه من أخطاء في التربية السلوكية أو عقد نفسية يعاني منها ..

– وهذه العقد النفسية إن تمكنت من نفس الطفل أو الصبي فإن علاجها صعب جداً .. وهذه العقد من أكبر عوامل حصولها هي , التحطيم , والاستحقار, وتهشيم الذات والقدرات .

 

– لذا بعض الأطفال حينما يعاني من هذه الأمور تتغير أطباعهم وأخلاقهم وسجايهم .. فتظهر فيهم , الشكاسة, والشراسة , والشناءة .

– أو عكس ذلك .. فيكون الطفل انطوائي على نفسه , مصاب بالرهاب الاجتماعي وتهتز ثقته , ويتدنى مستوى تحصيله الدراسي وغيرها من الآثار .

– ومدمرات شخصية الطفل … أقصد بها كل سلوك سلبي يقوم به المربي اتجاه الطفل فتكون سببا في تعثره نفسيا واجتماعيا وتربويا .

– وهي كثيرة منها : الإهمال والضرب والنقد والاستهزاء وتصور الكمال والحرمان والتهديد والتوقعات السلبية والحماية الزائدة …. وغيرها لكني في هذه الرسالة سأتحدث على أقوى سبعة مدمرات – في نظري – لها أثر كبير على شخصية الطفل ومنها يتفرع بقية المدمرات.

 

 

المدمر الأول / النقد السلبي

 

– كثير من الأبناء يتعرض لهم الآباء بالنقد القاسي المستمر والسخرية، وهذا يؤثر على نفسية الابن بشكل سلبي، مما يؤدي به إلى الفشل المتكرر وإلى فقدان وانعدام الثقة بنفسه.

– يقول رحمة : أن السخرية من الطفل على كل عمل يقوم به تولد لديه روح التذمر والتمرد كذلك استهزاء الأم من طفلها بشده وقسوة ، ويثير لديه الخوف ويقيد تصرفاته مما يترتب عليه كبت حرية الطفل وإشعاره بالحرمان فيصاب بالتردد والجبن . (أثر معاملة الوالدين في تكوين الشخصية دارالحياة ،دمشق .1986-247)

– إذا سألت الأب قال :قصدي في ذلك الصلاح وأن يكون أحسن من غيره .

– فهم لا يرون إلا القبيح السيئ… وإن كان التصرف النابع من الابن حسناً. فالسيئات مرئية عندهم والحسنات دفينة .

 

– تجد الطفل ينزل إلى الصالة وهو ينتظر من ينتقده …. هذا يقول ( سروالك طويل …. شعرك غير ممشط … بدلتك لونها سيء … وهكذا ، حتى يدرب الطفل نفسه على تحمل النقد .

– أحد الشباب درجته النهائية بين 50 – 55 % لما جد واجتهد وصل إلى 60 % … حضر إلى البيت وهو مستبشر لأنه تغير … فيجد من والديه النقد … لو فيك خير لوصلت إلى 90% … فقط 5 درجات هذا الذي قدرت عليه …. وهكذا

– للأسف يتسابق الوالدين في معرفة النقص … والتركيز على السلبيات دون النظر إلى كثرة الإيجابيات التي في الطفل … فيهدموا بقية أركانه الصالحة .

 

 

المدمر الثاني / تصور الكمال

 

– يتمنى كثير من الآباء أن يكون أبناؤهم مثل فلان الصحابي وفلان العالم …وهكذا ، وتناسى أن كل شخص له قدراته الخاصة ومواهبه التي أعطاه الله .

– قال صلى الله عليه وسلم ( فكل ميسر لما خلق له ) … وقال الله تعالى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) .

– هذا خالد بن الوليد ( سيف الله المسلول ) الذي دوخ الكفار … وخططه الحربية تدرس في الجامعات الغربية … لم يكن يحفظ إلا قصار السور … لماذا …. لأنه تفرغ فيما اتقنه .

 

– يريد الوالدين 100 % في كل شيء … لو جاء 70 % لقال أين البقية … وتناسى قدرات طفلهم ….. حتى يصل بالطفل أن يترك العمل كله .

– من باب تعويض النقص الحاصل عند الوالدين … فهم يريدون الكمال عند أبنائهم .

– ولذا ابحث عن مهاراته وقدراته ونمها وطورها … وتدرج معه حتى يصل لما يحبه وتحبه أنت .

 

 

المدمر الثالث / التوقعات السلبية

 

– يقول دينيس في كتاب ( بهجة العمل ) ” التوقعات السلبية ينتج عنها حظا سيئا ” .

– تقول الأم : سأخرج اليوم من البيت وأنا على يقين أني سأرجع إلى البيت والألعاب ملقاة في الصالة … والمطبخ خربان … والأوساخ في كل مكان …. وهكذا .

– جحا أراد أن يرسل ابنه إلى السوق وقبل أن يذهب ابنه قام وضربه … فقالت زوجته لمه … هو لم يفعل شيئا …فقال جحا :أنا أعرف أنه سيشتري الموز ثم يرى زملائه فيلعب معهم ويترك الموز وينساه … وسيقول نسيته في المكان الفلاني …

– الطفل يكون في البيت كالقمامة لا يتوقع منه إلا السوء .

 

– لما يصل الأب إلى مرحلة الغضب فإنه ينتظر بشوق إلى أن يخطأ الطفل حتى يقتص منه …لماذا ؟

– وإن رأى في ابنه الصلاح …. وإن عمل ما يطلب منه … إلا أن ما بداخل الأب أنه مبتلى بهذا الطفل …. لأنه لا يصلح لشيء … وهذه الإشارات تصل للأبناء أن والدهم يتوقع منهم السوء .

– قال صلى الله عليه وسلم 🙁 كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )

 

 

المدمر الرابع / الانفعال أثناء العقاب

 

– تم عمل مقابلة لبعض الطلاب وسؤالهم ( هل أمك تحبك ) …بعض الطلاب توقفوا عن الإجابة … وترددوا ثم قالوا ( مش دايم تحبني )

– تبين من المقابلات أن تعريف الحب لدى الأطفال هو المنفعة .

– والسبب من الآباء … لا يبادرونهم بالعاطفة والحب إلا بالمنفعة … أنا أحبك إذا عملت … أحبك إذا ذاكرت … إذا حافظت على ملابسك فأنا أحبك .

– مكان إشباع الطفل بالعاطفة هو البيت المليء بالدفء والحب.

– أما إذا دخل الوالدان بالانفعال الزائد إلى البيت فإن الأبناء يكرهون هذا الدخول .

– بسبب هذه الشحنات السلبية والانفعال الغير منضبط فإن بيئاتنا تكون طاردة وليست جاذبة .

 

 

المدمر الخامس / الحماية الزائدة

 

– إن الحماية الزائدة من الأم تجعلها تشعر بأن طفلها سيتعرض للأذى في كل لحظة ، ومن دون قصد … تملأ نفس الطفل بأن هناك مئات من الأشياء غير المرئية في المجتمع تشكل خطرًا عليه ، ومن ثم يشعر الطفل بالخوف ، ويرى أن المكان الوحيد الذي يمكن أن يشعر فيه بالأمان والاطمئنان ، هو إلى جوار أمه .

– نخاف عليه لدرجة أننا نحوله إلى كائن ساكن ليس لديه أي مبادرات .

– هذا الطفل يشعر بالخوف دائمـًا ولا يستطيع أن يعبر الطريق وحده ، أو يستمتع بالجري أو اللعب أو السباحة في البحر ؛ لأنه يتوقع في كل لحظة أن يصاب بأذى ، ويظل منطويـًا خجولاً بعيدًا عن محاولة فعل أي شيء خوفـًا من إصابته بأي أذى .

– فهم لم يسمحوا له أن يخطأ …. وإذا أخطأ حملوا عنه خطأه .

 

– وفر له الأبوان جميع ألوان الراحة والملهيات والأدوات الداعمة وبين يديه السائق والخادمة … ( شبيك لبيك ) .

– لذا اتركه يعيش حياته الطبيعية … دعه يخطأ ويتعلم من خطأه .

– نحن نوفر له الحماية التي تحفظه من الأخطار فقط .

– أما الحماية من كل شيء فإن الطفل ينشأ مفسد … ثم يقع في شر أعماله .

– من آثار الحماية أن الطفل ينشأ وقد اكتسب مرض القولون والسكر … بسبب عدم قدرته على مواجهة المشاكل .

 

 

المدمر السادس / الكلمات البذيئة

 

– قال تعالى (وقولوا للناس حسنا )

– وقال صلى الله عليه وسلم ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء )

– في دراسة أمريكية قديمة ( 1989 م ) ذكرها الدكتور مصطفى أبو السعد في برنامج فضائي ( نظرة شرعية – تعاملنا مع الأطفال ) :عدد الكلمات البذيئة التي يستقبلها الطفل من الميلاد إلى سن 18 سنة تتراوح من 50 ألف إلى 150 ألف كلمة سيئة .

– كلمات ( أنت غبي – طول عمرك حيوان – لا يعجبني شكلك ….. ) .. يعجز الابن عن فهم ما يريده المربي أو الوالدين فتطلق عليه هذه العبارات النارية …والتي يحس فيها الطفل بالمرارة والقهر .

 

– يأمر الوالدان الابن بأن يشتري من البقالة أو صاحب الخضار … فيأتي وقد نسي بعض الأشياء فتنهال عليه أقبح الألفاظ ( وين مخك يا غبي … أنا المخطأ بأن اعتمدت عليك …… ) مع أن الطفل تذكر معظم الأشياء إلا أن هذا اللسان لا يعرف إلا السوء من الكلمات .

– ولو طلب منه أن يرجع ويتأكد من المشتريات لانتهت المشكلة .

– ولو شكره على ذهابه وعلى شراء ما أراده الأب ، ثم طلب منه أن يتأكد ويرجع لانتهت المشكلة .

– فرب كلمة من معلم أو أب أو أم جرحت وأثرت في الطفل حتى مراحل لاحقة من العمر من شدة وقعها، ورب كلمة ساحرة أضاءت طريقاً وغيّرت مسيرة الحياة.

– قال تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )

 

 

المدمر السابع / الاستهزاء

 

– وأقصد هنا أن الطفل قد يبتلى بنقص في بعض قدراته أو مهاراته أو في خَلقه ( قصير – طويل – أعرج – أعمى …) فتكون هذه نقصة عليه .

– سواء كان من الوالدين أو المعلم أو الأخوة ( أنت طويل – قصير – أبو أربع – أبو فلافل …. ) ونحن نعلم أن الأبناء في الأسرة يتفاوتون في الصفات والمهارات … وهنا يبدأ الوالدين بالسخرية والتعليق .

– يعتقد الوالدين أن الاستهزاء لا يؤثر على نفسية الطفل خاصة … بقولهم : أننا كنا قديما نعير من قبل المجتمع ولم نتأثر بذلك … وهذا إدعاء باطل .

– والمشكلة أن الطفل يبدأ يكره إخوته ووالديه بسبب التعيير والاستهزاء ولا يحب الجلوس معهم … وقد يصل إلى الحقد وحب الانتقام .

– أحيانا تكون البنت طويلة القوام فعندما تمر أمام أهلها …. فبدل من سماع الثناء على قوامها الجميل … وكلمات الحب … تبدأ بسماع الهمز واللمز ( مرت علينا الزرافة – الطول طول نخلة …….. ) والتي تجعلها تنفر من والديها … وقد تكون سببا في البحث عن تقدير الذات من خارج البيت فتقع فريسة في أيدي الذئاب البشرية .

– وكذلك الولد عندما يأتي بالشهادة وفيها ضعف في إحدى المواد بسبب ضعف قدراته العقلية …فهنا يستلمه الوالد بالكلمات النابية …. وتحطيمه خاصة أمام إخوته … وهم يضحكون عليه …فتكون سببا لكره الدراسة والوقوع في أيدي رفقاء السوء .

– لابد من احترام أبنائنا … ولا نرضى استهزاء بعضهم للآخر … بل نرغمهم على الاعتذار … حتى يبقى الحب بين الجميع .

 

 

وأخيرا :

– قال ابن القيم رحمه الله: “وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله, وترك تأديبه, وإعانته على شهواته, وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت على ولده حظه في الدنيا والآخرة، ثم قال رحمه الله: وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء “.تحفة المودود بأحكام المولود(1/242)

– وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ {الفرقان: 74}. يقول الإمام البغوي في تفسير كلمة﴿ قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾: أي: أولادًا أبرارًا أتقياء، يقولون اجعلهم صالحين فتقر أعينُنا بذلك. قال القرظي: ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله عز وجل . تفسير البغوي – (6 / 99)

 

اللهم أصلح لنا ذرياتنا … واجعلهم قرة عين لنا … وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم